مخاطر التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني  وتداعياته على الوطن العربي والإسلامي

مخاطر التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني  وتداعياته على الوطن العربي والإسلامي

  • مخاطر التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني  وتداعياته على الوطن العربي والإسلامي

افاق قبل 7 شهر

مخاطر التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني  وتداعياته على الوطن العربي والإسلامي

 بقلم رئيس التحرير 

منذ أشهر عدة تقود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حراكًا سياسيًا؛ بهدف التوصل إلى اتفاق بين السعودية وإسرائيل حول تطبيع العلاقات بينهما، لدرجة تعيين مبعوث خاص لهذه المهمة، وعدّت واشنطن هذه القضية هي المهمة المركزية التي تسعى إلى تحقيقها حتى شهر آذار/ مارس القادم، عند بدء الحملة الانتخابية الرئاسية، التي لا تبدو فرص بايدن فيها كبيرة.

تزعم إدارة البيت الأبيض في الكواليس أنها تحركت بهذا الاتجاه بعد طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أخبرها أن بلاده اتخذت قرارًا إستراتيجيًا بالسلام مع إسرائيل، وأن البحث والتفاوض يجري حول شروط هذا السلام وتفاصيله.

وتناولت مصادر إعلامية وسياسية أميركية وإسرائيلية وغيرها هذا الموضوع وتطوراته باستمرار، وكانت أحيانًا تصور أنه تم التوصل إلى إطار عام للاتفاق، كما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أخيرًا، وأحيانًا يتم تصوير أن الأمر معقد وسيحتاج إلى وقت، لدرجة صرح بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة في لقائه مع بلومبيرغ الأميركية أن الأمر قد يأخذ مسارًا تدريجيًا؛ أي يتم تطوير العلاقات من تحت وفوق الطاولة في المجالات الاقتصادية، خصوصًا الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجية والأمنية والعسكرية، قبل الوصول إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء.

إذا كانت المطالب السعودية من واشنطن باتت معروفة، وهي مفاعل نووي سلمي متقدم، والحصول على أسلحة أميركية متقدمة، وتوفير شبكة أمان من خلال تعهد الإدارة الأميركية بالتعامل مع أي هجوم معاد على السعودية مثلما تتعامل مع هجوم مماثل على دولة عضو في حلف الناتو، وكما يبدوا أن هناك تقدمًا في التفاوض حول هذه المطالب حسب المعطيات وتطورات التطبيع

أما المطالب السعودية بخصوص القضية الفلسطينية، فهناك غموض بشأنها، فمن جهة هناك الموقف الرسمي التقليدي السعودي، الذي جوهره لا تطبيع قبل قبول إسرائيل بمبادرة السلام العربية، التي تتضمن قيام دولة فلسطينية.

ومن جهة أخرى، لا تفصح السعودية للقيادة الفلسطينية حول ما الموقف بخصوص الشق الفلسطيني، مع تطمينها بأن القضية الفلسطينية حاضرة، وهناك ما كتبه توماس فريدمان بعد لقائه بالرئيس الأميركي بأن السعودية يمكن أن تقبل بأقل من المعلن، وحدد معالم ما يمكن أن يحدث بمطالبة إسرائيل الموافقة على عدم ضم الضفة الغربية، وتحديدًا مناطق (ج)، وتجميد الاستيطان من خلال عدم إقامة بؤر ومستوطنات جديدة، وعدم شرعنة البؤر الاستيطانية القائمة، والحفاظ على إمكانية قيام دولة فلسطينية، والحفاظ أيضًا على السلطة ومنع انهيارها، والاستعداد لتقديم دعم مالي سعودي سخي لها.

إن التوصل إلى اتفاق سيكون بمنزلة صفقة كبرى لا تقل أهمية، بل أخطر من اتفاقية كامب ديفيد المصرية، كونها تعقد مع دولة عربية مهمة لا تقع على حدود فلسطين، ولا توجد لها أرض محتلة، وتتم بعد اتضاح أن دولة الاستعمار والاحتلال أفشلت كل المحاولات للوصول إلى تسوية، وتريد خصوصًا في ظل الحكومة الحالية حسم الصراع بتصفية القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها، وأخطر من صفقة ترامب كونها إن تمت ستتم بمشاركة كاملة من بلد عربي بأهمية السعودية.

ما سبق يقودنا إلى تحديد الأسباب التي تدفع الإدارة الأميركية إلى بذل كل هذه الجهود لعقد الصفقة، التي تظهر بلقاءات مستمرة أميركية سعودية؛ ما يدل على جدية وحرص أميركي على التوصل إلى اتفاق.

السبب الأول زيادة فرص بايدن بالفوز بولاية ثانية، بل السعي إلى ضمان الفوز، أما السبب الثاني، فلا يقل أهمية عن الأول، وهو وقف التراجع الأميركي في المنطقة، واستعادة زمام المبادرة، وقطع الطريق على تحسين العلاقات السعودية مع الصين وروسيا وإيران، وأما السبب الثالث فهو منع انهيار السلطة وما يسمى "حل الدولتين"، وأما السبب الرابع فهو إنقاذ إسرائيل من نفسها في ظل الأزمة العميقة التي تشهدها والمفتوحة على كل السيناريوهات، فنجاح هذه الصفقة يجمد الأزمة الداخلية الإسرائيلية، ويمنعها من التدهور، ويفتح الطريق أمام إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع ما تبقى من الدول العربية ومع دول إسلامية مهمة، مثل باكستان وإندونيسيا وغيرهما، من دون أن تقدم شيئًا جوهريًا في المقابل.

 

وفي حال إتمام الصفقة سيحل الضم الزاحف والمتدرج محل الضم السريع والقانوني، وهو لا يمثل فرقًا كبيرًا، فبعد توفير مقومات الضم الواقعي من خلال خلق الحقائق الاحتلالية والاستيطانية والعنصرية، سيكون من السهل اختيار التوقيت المناسب للقيام بالضم القانوني والرسمي.

إضافة لكل ذلك  أن مخاطر التطبيع مع  الكيان الصهيوني لم تكن يوما مقصورة على القضية الفلسطينية وأرض فلسطين، بل أنها تمتد إلى ما هو أبعد وأشمل من ذلك، فالأمة الإسلامية هي المستهدف الرئيسي، من خلال إضعاف الاهتمام بالقضايا التي تهم المسلمين وبالثوابت الإسلامية وتفكيك هوية الأمة الإسلامية. فبعد أن كان التعامل وإنشاء علاقات مع إسرائيل يعد خيانة للفكر الإسلامي وللأمة الإسلامية والعربية، أصبحت الدول الإسلامية والعربية تهرول لإنشاء علاقات مع إسرائيل، وبالتالي تشتت الإسلام والمسلمين، ونشوء جيل متخبط الفكر والمبادئ، غير متمسك بقيمه، يرى أن إسرائيل والدول الغربية نموذج للدول الناجحة المتقدمة، بغض النظر عن النهج والأسلوب المتبع، فجيل مسلم عربي لا يعرف عدوه من صديقه، أخطر على الأمة الإسلامية والعربية من التطبيع نفسه.

التطبيع العربي الإسرائيلي سيحدث  تغيراً إستراتيجياً هاماً وخطيراً في المنطقة العربية، إذ يعتبر نقطة قوة وإنجاز لصالح  الكيان الإسرائيلي الغاصب ، في المقابل فإن التطبيع العربي قد أضعف موقف القضية الفلسطينية وسط تخلي أكثر الدول العربية تأثيرا في المنطقة عن دعمها لفلسطين، وانتقال دعمها لصالح الكيان الغاصب  ، ومن أهم تداعيات التطبيع العربي على القضية الفلسطينية مستقبلا، هو تراجع مكانة السلطة الفلسطينية وتعجيل انهيارها، مما يؤدي إلى حدوث توتر في الشارع الفلسطيني، خاصة في ظل الانقسام السياسي الداخلي الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ عام2007، والذي كان له دورا كبيرا في نجاح التطبيع في ظل تراجع وتخبط الموقف الفلسطيني في المنطقة العربية. فضلاً عن أن التطبيع من المؤكد سيكون له دوراً في إنجاح صفقة القرن الذي ما زالت إدارة بايدن تسير على نهج ترمب ، والمخطط الإسرائيلي لضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية.

من المؤكد أن تمرير الصفقة لن يقود إلى الأمن والاستقرار والسلام؛ لأنها تكرر ما جرب منذ أكثر من مائة عام وحتى الآن من محاولات لإحراز السلام على حساب الحقوق والمصالح والتطلعات الفلسطينية، وهذا ما لا يقبله الشعب الفلسطيني، وسيواصل صموده ومقاومته وإبقاء قضيته حية حتى تحقيق الانتصار مهما غلت التضحيات وطال الزمن.

 

 

 

التعليقات على خبر: مخاطر التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني  وتداعياته على الوطن العربي والإسلامي

حمل التطبيق الأن